عدد الأشخاص الذين يمتلكون عيونًا خضراء: دراسة شاملة ومتعمقة

تُعتبر العيون الخضراء من أكثر ألوان العيون ندرة في العالم، مما يجعلها مصدر اهتمام كبير لدى العلماء والباحثين في علم الوراثة والأنثروبولوجيا، بالإضافة إلى المحيط الثقافي والفني الذي طالما ارتبط بهذا اللون المميز بجمال غامض وسحر خاص. يتناول هذا المقال بشكل موسع جداً طبيعة العيون الخضراء، أسباب ندرتها، التوزيع الجغرافي لأصحاب العيون الخضراء، العوامل الوراثية المسؤولة عن هذا اللون، بالإضافة إلى التحليل الإحصائي لعدد الأشخاص الذين يمتلكون عيوناً خضراء في مختلف أنحاء العالم، مع عرض معلومات علمية دقيقة ومدعومة بأحدث الدراسات.

طبيعة اللون الأخضر للعين وأسبابه البيولوجية

لون العين يتحدد بشكل رئيسي بمقدار ونوعية الصبغة المعروفة بالميلانين داخل القزحية، وهي الجزء الملون من العين. العيون الخضراء ناتجة عن تفاعل بين كمية معتدلة من الميلانين والهيكل المعقد لقزحية العين، حيث تعمل بنية القزحية على تشتت الضوء بطريقة تخلق انطباع اللون الأخضر. هذا يعني أن العيون الخضراء لا تعتمد فقط على وجود صبغة خضراء فعلية، بل هي نتيجة لتفاعل بصري معقد بين الميلانين والهيكل النسيجي لقزحية العين.

بالمقارنة، العيون الزرقاء تحتوي على كمية أقل من الميلانين، مما يسمح بمرور المزيد من الضوء وانتشاره بطريقة تمنحها اللون الأزرق، في حين أن العيون البنية تحتوي على نسبة عالية من الميلانين، مما يجعلها داكنة أكثر.

العوامل الوراثية المؤثرة في لون العين

لون العين يحدد وراثياً عبر جينات متعددة، أشهرها جين OCA2 الذي يؤثر على إنتاج الميلانين. في الماضي، كان يُعتقد أن لون العين يتبع وراثة بسيطة لصفة متنحية ومهيمنة، إلا أن الأبحاث الحديثة أظهرت أن الأمر أكثر تعقيدًا، حيث يوجد العديد من الجينات التي تؤثر على تحديد لون العين بدرجات متفاوتة.

العيون الخضراء ترتبط بتركيز منخفض إلى متوسط من الميلانين، ويرجع ذلك إلى وجود تركيبات وراثية خاصة تتواجد بشكل نادر نسبياً مقارنة بالجينات المرتبطة بالعيون البنية أو الزرقاء. لذلك، فإن فرصة ظهور العيون الخضراء تعتمد على وجود مجموعات جينية محددة ضمن تركيبة الأب والأم.

التوزيع الجغرافي لأصحاب العيون الخضراء

تنتشر العيون الخضراء بشكل ملحوظ في مناطق معينة حول العالم، خصوصاً في شمال أوروبا، ولا سيما في دول مثل إيرلندا واسكتلندا، حيث نسبة انتشار العيون الخضراء تصل إلى ما بين 10% إلى 20% من السكان. كما تظهر نسب أقل في أجزاء من أوروبا الوسطى والشرقية، وبعض مناطق آسيا الوسطى.

في المقابل، تكاد تكون العيون الخضراء نادرة جداً في القارات الأخرى مثل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث تهيمن العيون البنية بدرجة كبيرة. هذا التوزيع الجغرافي يوضح أن العيون الخضراء هي صفة وراثية نادرة في الغالب خارج مناطق معينة في أوروبا.

الإحصائيات الدقيقة لعدد أصحاب العيون الخضراء

وفقاً للدراسات السكانية العالمية، يُقدَّر أن حوالي 2% من سكان العالم يمتلكون عيونًا خضراء. في ظل تعداد عالمي يقارب 8 مليارات نسمة حتى عام 2025، فإن عدد الأشخاص الذين يمتلكون عيونًا خضراء يُحتمل أن يكون حوالي 160 مليون شخص تقريباً.

هذا العدد رغم كونه كبيرًا نسبياً من حيث العدد المطلق، إلا أنه يظل صغيراً جداً مقارنةً بألوان العيون الأخرى مثل البني والأزرق، حيث يملك اللون البني النصيب الأكبر، إذ يقدر بأكثر من 55% من سكان العالم.

جدول توضيحي لتوزيع ألوان العيون على مستوى العالم:

عوامل تزيد أو تقلل من انتشار العيون الخضراء

بجانب العوامل الوراثية والجغرافية، تلعب عوامل تاريخية واجتماعية دوراً في انتشار لون العيون. فالحركات السكانية والهجرات التي حصلت عبر التاريخ أدت إلى تبادل الجينات بين شعوب مختلفة، مما أثر على توزيع ألوان العيون.

على سبيل المثال، الهجرات الأوروبية إلى الأمريكتين جلبت معها نسباً أكبر من العيون الخضراء مقارنة بالمناطق الأصلية للسكان الأمريكيين الذين تهيمن عليهم العيون البنية. بالمقابل، الزواج بين مجموعات جينية ذات ألوان عيون مختلفة يؤدي إلى تنوع في ألوان العيون للأجيال اللاحقة.

المظاهر الثقافية والجمالية المرتبطة بالعيون الخضراء

لقد ارتبطت العيون الخضراء عبر التاريخ بالعديد من الأساطير والرموز الثقافية، حيث كانت في كثير من الثقافات رمزاً للغموض والجمال والسحر. في الأدب والفنون، كثيراً ما تم تصوير أصحاب العيون الخضراء على أنهم شخصيات فريدة ذات جاذبية خاصة، مما عزز من شهرة هذا اللون النادر وجعله موضوع اهتمام في الدراسات النفسية والثقافية.

كما أظهرت الدراسات الحديثة أن العيون الخضراء قد تؤثر على إدراك الناس للشخص صاحبها، حيث يميل البعض إلى ربط هذا اللون بصفات شخصية مثل الغموض والجاذبية والتميز.

الخلاصة

عدد الأشخاص الذين يمتلكون عيوناً خضراء يظل محدوداً نسبياً، إذ لا يتجاوز 2% من سكان العالم، مما يجعل هذا اللون من أندر ألوان العيون التي يمكن رؤيتها. يرتبط هذا اللون بتركيبات وراثية معقدة ونادرة نسبياً، وتنتشر بشكل خاص في مناطق محددة جغرافياً في أوروبا، مع وجود نسب أقل في أماكن أخرى.

هذا التوزيع المحدود والندرة في الوجود هما ما يجعل العيون الخضراء مميزة بشكل فريد على مستوى العالم، ويجعل فهم أسبابها الوراثية والجغرافية والجمالية مجالاً مستمراً للبحث والدراسة، لما تحمله من رمزية بيولوجية وثقافية غنية.

المصادر والمراجع:

1. Eiberg, H. et al. (2008). “Blue eye color in humans may be caused by a founder mutation in a regulatory element located within the HERC2 gene inhibiting OCA2 expression.” Human Genetics, 123(2), 177–187.

2. Sturm, R.A. (2009). “Molecular genetics of human pigmentation diversity.” Human Molecular Genetics, 18(R1), R9–R17.